التّماسك النّصيّ في الأمثال القرآنيّة (سورة البقرة أنموذجا)
الخلاصة
الحمد لله الّذي هدانا لهذا، وماكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله على نعمه وفضله، والصّلاة والسّلام على جميع أنبيائه ورسله، وبعد...
بفضل من الله تعالى أنهيت هذا البحث المتواضع، وقد توصّلت إلى بعض النّتائج أذكر منها ما يلي:
1- أنّ المثل أسلوب أدبي رفيع، يمتاز بدقّة تصويره، وتناسق ألفاظه، وله قدرة عجيبة في التّأثير على الآذان، وتقرير المعنى في الأذهان، وقد أهتمّ الكثير من العلماء بهذا الأسلوب، وقد ألّفت فيه الكثير من الكتب والمجلدات، منها على سبيل المثال: "مجمع الأمثال"، للميداني، و"جمهرة الأمثال"، للعسكري، وغيرها العديد من المؤلفات في هذا المجال، وهذا حتماً يدلّ على عظيم شأنها، ومكانتها في الوسط الأدبي.
2- أسلوب المثل كان من الأساليب الّتي أثبتت وجودها بكثرة في القرآن الكريم، فقد كان - سبحانه وتعالى- يضرب لنا الأمثال؛ ليوضح لنا ما خفي عنا؛ وليهدينا لما فيه الخير والصّلاح في الدّنيا والآخرة، فهو لون من ألوان الهداية الإلهيّة، الّتي ترشدنا إلى الحقّ وتبعدنا عن الباطل.
3- امتازت الأمثال القرآنية بدقّة التّصوير، وحسن التّمثيل، وإحكام العبارة، وتناسق الألفاظ، والإحاطة بالموضوع، وتعدّد الموضوعات.
4- الأمثال القرآنيّة تأتي لمقاصد مختلفة، والمقصد الأساسي لها تقريب المراد، وإيصال المعنى لذهن السّامع، فالمثل يأتي كتعقيب لمسألة سابقة؛ لتوضيحها بشكل أفضل، وإزالة الإبهام والشّك.
5- إنّ النّص يّمثل المعنى الّذي يريد المتكلم إيصاله للسّامع أو القارئ، وهو عبارة عن تتابع جملي مركّب من وحدات كبرى وصغرى؛ لتحقّق دلالة معيّنة.
6- لفهم النّص يجب أن يتمّ تفكيك وحداته، ثم يتمّ تجميعها؛ من أجل الوصول إلى دلالته كما أرادها منشئ النّص.
7- إنّ نحو النّص فرع من فروع علم اللّغة، وقد تولّد من نحو الجملة؛ بل إنّ جميع ما ذكر فيه موجود في الكتب النّحوية القديمة، ويعدّ بذلك علم قديم حديث، قديم بمضمونه، حديث بمصطلحاته وأسلوب دراسته للنّص.
8- ما يميّز نحو النّص عن نحو الجملة أنّه متداخل مع العلوم الأخرى بشكل كبير، ويعمل على دراسة النّصوص في ذاتها، وأشكالها، وقواعدها، وتأثيراتها المتباينة، فهو يهدف إلى تحديد الوسائل الظّاهرة، والضّمنيّة في بنية النّص الكليّة؛ لتحليل النّص وفهم مضمونه.
9- التّماسك النّصي هو العلاقة الموجودة بين أجزاء النّص، أو جمل النّص، أو فقراته، وقد تكون لفظيّة، أو معنويّة، فهو يتحقّق بواسطة الأدوات النّحوية، أو العلاقات الدّلالية.
10- إنّ دراسة التّماسك النّصي في أيّ نص، تمكّننا من فهمه فهماً صحيحاً لا يعتريه الشّك، لذلك فإنّ الاستعانة بهذا المنهج تساعد كثيرا في فهم النّصوص.
11- السّبك، والحبك معياران أساسيّان لنصيّة النّص، ولا يتحقّق التّماسك النّصي إلا بهما، فالسّبك يمثل اللّفظ، والحبك يمثّل المعنى، وهذا ما تحدّث عنه الجرجاني بإسهاب في نظريّة اللّفظ، والمعنى "النّظم".
12- تساعد الإحالة على ربط النّصوص، من خلال عودة اللّفظ المحيل إلى المحال إليه، كما تساعد على الاختصار.
13- إنّ الحذف يمنح المتلقي الدّور في تقدير المحذوف، بناء على ما يوفره السّياق من دلالات؛ من أجل تحقيق الاستمراريّة النّصيّة.
- تتمثّل وظيفة الحبك الأساسيّة في تحديد المعاني والدّلالات الّتي يتضمّنها النّص، فهو يعمل على تحقيق الاستمراريّة الدّلالية للنّص، وبذلك يتشكّل ربط كلّي لعالم النّص.
14- القرآن الكريم معجزة الله الخالدة عبر السّنين، وهو أفصح الكلام وأتمّ البيان، حتى أنّك لا تستطيع فصله عن بعضه من شدّة إحكامه وجودة سبكه، فإذا أردت أن تدرس جزءاً منه تجد نفسك ترجع إلى ما سبق هذا الجزء؛ لتدرك المعنى الصّحيح له، فهو يكمّل بعضه بعضا، ويفسّر بعضه بعضا.
15- التّراث اللّغوي العربي كنز يجب علينا المحافظة عليه وعدم التّفريط به، ويجب علينا الرّجوع إليه في جميع أبحاثنا، فهو ذخر لا يُقدّر بثمن، ولا تمثّل العلوم الحديثة إلا قطرة في بحر، بالنّسبة للموروث اللّغوي العربي.
16- كانت لعلماء التّفسير جهود عظيمة في تحليل النّصوص القرآنية؛ وهذا يدل على أنّ نحو النّص ليس العلم الوحيد الّذي يهتم بتحليل النّصوص؛ بل هناك علم موجود منذ زمن طويل يهتمّ بدراسة النّصوص، وتحليل الظّواهر اللّغوية، وهو علم التّفسير.
17- هناك العديد من عوامل الرّبط النّصي الّتي لم يتنبه إليها علماء النّص، منها على سبيل المثال: البدل، والنّعت، والمحسنات البديعية، فجميعها تساعد على ربط النّص، وتسلسل أفكاره، كما يعطي جمالا للنّص.
18- إنّ نحو النّص يحاكي كل ما جاء في كتاب العلامة عبد القاهر الجرجاني (دلائل الإعجاز).
وفي الختام أشكر الله العلي العظيم على نعمه وفضله، وأرجو من الله تعالى أن ينال البحث الرضى والقبول والنّجاح.